النُهج والأدوات
قواعد البيانات الأثرية وخرائط الأساس
النهج القياسي لتوثيق المعلومات الأثرية هو إنشاء قاعدة بيانات جغرافية مرجعية يمكن استخدامها لإنتاج خرائط مواضيعية مع مستويات مختلفة من المعلومات الأثرية (وغيرها) حسب الحاجة في سياق معين.
في علم الآثار، تُستخدم أنظمة المعلومات الجغرافية (GIS) بصورة عامة لمعالجة بعدية و تحليل لمواقع التنقيب الأثري (التحليل ضمن الموقع الأثري) ولتقييم المعلومات المكانية في نطاق أثري يجمع عدد أكبر من المواقع و/ أو مشاريع التنقيب ( التحليل بين المواقع).
لأغراض توثيق المعلومات الأثرية في حالة ما بعد النزاع، يجب تكييف هذه الأنظمة مع احتياجات محددة، خاصة فيما يتعلق بالمعلومات الأثرية في المناطق العمرانية القائمة والتي لم تكن سابقاً موضوع بحث و/ أو تنقيب (موسع). يجب أن يتمّ إلى حد كبير جمع المعلومات بعد تحليل وتقييم الوثائق والسجلات والأبحاث المتاحة، واعتماد نهج مماثل للنهج الذي طُبّق عند إنشاء الأرشيف الرقمي.
وبشكل عام يجب استكمال هذه المعلومات الأولية بإجراء فحوصات ومسوحات أرضية. غير أنه لا يمكن تنفيذ ذلك إلا بعد توقف القتال وبعد أن يصبح الوصول إلى المدن والمواقع ممكناً ويتم إرساء حدّ أدنى من السلامة والأمن.
ومن منظور أبعد أمداً، هناك حاجة لتحديث نظم المعلومات هذه بشكل دوري بالمعلومات المتولدة من عملية إعادة الإعمار وإعادة البناء.
تحليل الطبقات
يجب في العديد من الحالات التحقق من الوثائق المستندة إلى تحليل المعلومات والسجلات والتأكد من صحتها على أرض الواقع من خلال البحوث الأثرية.
يستلزم النهج التقليدي تنقيباً طبقياً لتحديد المواقع النسبية للمصنوعات والبنى البشرية، وبالتالي التسلسل الزمني لمستويات الحرف المتعاقبة. ونظراً لوجود طبقات عديدة للحضارات في العديد من المدن القديمة في الشرق الأوسط، ولوجود الضغط الزمني للإصلاح وإعادة الإعمار في حالة ما بعد النزاع، فمن المهم إيجاد توازن بين مصالح البحث الأثري واحتياجات الأشخاص الذين يرغبون بالعودة وإعادة بناء منازلهم وموارد رزقهم.
قد يكون من الممكن في بعض الحالات تطبيق طرق التنقيب الأثري الافتراضية وغير الجائرة لتحديد المواقع الأثرية غير المعروفة أو غير المكتشفة سابقاً. رغم التقدم التقني الهائل الحاصل في السنوات الأخيرة، تبقى هذه التكنولوجيا محدودة إلى حد كبير في مسح المواقع في التضاريس المفتوحة.
تخطيط مناطق الحماية الخاصة
إنّ تخطيط وإنشاء مناطق حماية خاصة هو نهج عملي لكسب الوقت عند الحاجة إلى إجراء تقصيات مطولة لحماية طبقات التراث الأثري تحت الأرض في المناطق السكنية في المدن. يتم تطبيق هذا النهج في العديد من البلدان تحت مجموعة متنوعة من المسميات وبأشكال مختلفة:
- في لندن الكبرى في المملكة المتحدة، تُعرَّف المناطق ذات الأولوية الأثرية بأنها “مناطق ذات أهمية أثرية معروفة أو يمكن إجراء اكتشافات جديدة فيها” وحيث قد تؤثّر مشاريع التوسّع العمراني أو البناء سلباً على الأصول التراثية.
- في سويسرا، يوفّر إنشاء مناطق الحماية الأثرية الأساس القانوني لوقف أنشطة البناء والأعمال الإنشائية مؤقتاً للسماح بالبحث الأثري.
- في ألمانيا، وفقاً للموقع الإلكتروني المتحف الروماني-الجرماني في كولونيا “تقوم البلدية عند الإشراف على عمليات البناء بفحص كافة طلبات الحصول على تصاريح البناء لتحديد ما إذا كانت المواقع الأثرية أو المعالم التاريخية معرضة للخطر من قبل المشروع. إن كان الأمر كذلك، يدعى الباني والمهندس المعماري لمناقشة الأسباب والمدة المقدّرة لأعمال التنقيب لإنقاذ الآثار قبل البدء بالبناء الفعلي، وبالتالي منح الباني موثوقية التخطيط. تعتمد مدة التقصيات الأثرية على حجم المنطقة المعنية وعمق الطبقات الأثرية بالإضافة إلى نوع وتعقيد الاكتشافات المتوقعة. خلال ما يقرب من مائة عام من الحماية التاريخية في المنطقة العمرانية بكولونيا، تم حفظ أكثر من 3000 تقرير عن لقيّات قديمة ليكون من الممكن غالباً التنبـؤ بها بشكل دقيق”.
في سياق إعادة الإعمار بعد النزاع المسلح، قد تبرز حاجة ماسة لأنشطة بناء تتطلب أعمال حفر كبيرة، لذا فإن تعيين مناطق حماية أثرية خاصة يمكن أن يساعد في منع الإضرار بطبقات التراث الأثري الهامة أو تدميرها. تعتبر هذه المناطق من حيث المبدأ ذات أهمية فيما يتصل بجميع الأعمال التي تستلزم تدخلاً كبيراً في التربة (تحت الأرض) – ليس فقط الحفر من أجل عمليات البناء، ولكن أيضاً الأعمال تحت الأرض الخاصة بالمرافق (مثل تمديدات المياه والغاز)، والتي قد لا تحتاج إلى إذن تخطيط.
يعتمد تخطيط/ إنشاء مناطق الحماية الخاصة عادةً على وجود أحكام قانونية منصوص عليها في القانون الوطني. إذا تم تطبيق هذا النهج بشكل صحيح، يمكن أن يكون مفتاحاً للتخطيط لإعادة إعمار مراعية للاعتبارات الثقافية.